لماذا سلاح المقاومة

لماذا سلاح المقاومة؟*

 

في خضم الحديث عن سلاح المقاومة، أرى من الواجب عليّ كمواطن جنوبي أن أبدي رأيي في هذا الموضوع، لأن قضية المقاومة - وقبل أي شي‏ء آخر - لها علاقة مباشرة بأمني وأماني وداري وجاري وولدي وبلدي، هي قضية من يحميني كمواطن من آلة القتل الإسرائيلية، من يحميني كمواطن من نهم إسرائيل لارتكاب المجازر وسفك الدماء واحتلال الأرض.

إن من أبسط حاجات الإنسان حاجته للأمن والشعور بالأمان، وإن من أوضح واجبات الدولة واجبها في حماية مواطنيها من أي اعتداء خارجي وإعداد العدة لذلك، خصوصاً إذا كان التهديد والعدوان يأتي من كيان كإسرائيل معروف في همجيته ووحشيته، وتاريخها ينضح بما يدل على ذلك، وليس الشاهد ببعيد.

لكن الذي حصل أن الدولة اللبنانية ومنذ القدم قد أعرضت عن واجب حماية الجنوب اللبناني من العدوان الإسرائيلي، وكانت تتناسى أن شطراً من لبنان يواجه تهديداً دائماً وعدواناً قاسياً من إسرائيل. ولعل هذا الأمر ناتج عن ثقافة مهترئة وخاطئة تعشش في أذهان بعض المسؤولين.

إن مراجعة بسيطة لحجم الاعتداءات الإسرائيلية والضحايا والخسائر الناتجة عن ذلك من جهة، وطبيعة الردود من قبل الدولة اللبنانية من جهة أخرى؛ كل ذلك يكشف عن أن إهمالاً مزمناً قد تعرض له أهل الجنوب فيما يرتبط بواجب الدولة في حمايتهم من إسرائيل. نعم كانت الدولة حاضرة بقوة في العديد من الجوانب الشكلية، أما الجوانب الأساسية في مهام الدولة من الدفاع والحماية وإعداد البنية التحتية اللازمة لذلك، فقد كان هناك غياب تام واهمال مريع.

وهنا سوف يكون من الطبيعي أن أي مجتمع مدني قصّرت دولته في حمايته من عدوه الخارجي، أن يبادر إلى حماية نفسه بنفسه. ومن هنا نشأت المقاومة لتحرير الأرض وحماية المواطن ودفع العدوان. فلو كان هناك دولة في لبنان تقوم بواجبها في حماية مواطنيها لما كان هناك من حاجة إلى المقاومة، وتاريخ المقاومات يشهد على ذلك أنه عندما تعجز الدولة أو تقصر في حماية الوطن، فإن الشعب يبادر بنفسه إلى القيام بواجب الحماية والتحرير.

ويكفي أن نقول إن غياب السياسات الدفاعية للدولة اللبنانية بوجه إسرائيل، يكشف أنه لم يكن في حسابات الدولة أن هناك مواطناً يحتاج إلى الحماية من الوحش الإسرائيلي، بل كان هناك إيغال في الإهمال.

ومن هنا ليس الشعب من يُسأل: لماذا بادرت إلى حماية نفسك، بل الدولة هي من يجب أن تُسأل لماذا لم تبادر إلى حماية مواطنيها. وليست المقاومة من تُسأل لماذا حملت السلاح للدفاع، بل الدولة من يجب أن تُسأل لماذا لم تحمل السلاح للدفاع عن مواطنيها بناء على سياسات دفاعية جادة.

بل أكثر من ذلك، يجب القول إنه إذا كانت الدولة بحكوماتها المتعاقبة تحاسب على وظائفها، فإن أبرز ما يجب أن تحاسب عليه الدولة، هو هل أنها تقوم بحماية مواطنيها والدفاع عنهم أم أنها تتقاعس عن القيام بهذه الوظيفة، لأن وظيفة حماية المواطنين في أرواحهم وأرزاقهم تتقدم على أية وظيفة أخرى.

بل في المجتمعات المتحضرة والسوية، يمكن أن تسقط حكومة وتنشأ أخرى، فيما لو ظهر عجز الحكومة عن حماية مواطنيها من أخطار جدية تهدد أرواحهم وأرزاقهم.

لكن العجيب في بلد كلبنان أنه بدل أن تخجل الدولة في بعض مسؤوليها من تقصيرها، وأن تحاسب على اهمالها، وأن تعتذر من كل مواطن هدر دمه أو أصيب في رزقه نتيجة استقالتها من وظيفتها في الدفاع والحماية؛ فإنها تجعل من خلال أولئك المسؤولين جل اهتمامها التجاوب مع الطروحات الدولية، التي تريد نزع ذلك السلاح، الذي قام بسد الفراغ وعوّض إهمالها، وكان بمثابة بدل اضطراري لتقصير متعمد.

الغريب في لبنان أن البعض لا يخاف من سلاح إسرائيل المجرم القاتل السفاح صاحب المآسي المشهودة والمجازر اللامعدودة، في حين أنه يخاف أو يفتعل الخوف من سلاح لبناني حرّر لبنان، ويسهم في حمايته والدفاع عن بنيه. والمؤلم أنه بدل أن يصار إلى تقديم كل أشكال التقدير والحماية لهذا السلاح الذي عوض غياب الدولة، وأن يعتمد كخيار أثبت جدواه في تحرير الأرض وحماية الوطن، فإن البعض يعمد إلى تقديمه على أنه مشكلة بحد ذاته، وليس نتيجة لمشكلة اسمها العدوان والاحتلال والتهديد المستمر بهما.

إن السؤال المركزي الذي يطرحه كل مواطن جنوبي هو: من يحميني من إسرائيل؟ مع التأكيد على حقيقة ثابتة، هي أنه لا يوجد مواطن تعرض للعنف الإسرائيلي مستعد أن يكون حقل تجارب لحلول وخيارات نظرية، يمكن أن تكلفه حياته ورزقه، يجري الترويج لها من أشخاص، كل الذي يحصل لهم فيما لو فشلت هذه الخيارات أنهم يبدلون بعض العبارات من وراء مكاتبهم الفارهة، في حين أن الثمن يدفعه المواطن الجنوبي من دمائه ودماء أطفاله وأبدانهم، التي ما فارقت الجرح مذ فارقت الرحم.

إن جملة من الأسئلة الملحة تقلق كل مواطن جنوبي، أنه ما الذي يريده بعض السياسيين أو المسؤولين من المواطن الجنوبي؟ ألا يعلمون أن هذا المواطن يدفع ضريبة الدم منذ حوالي نصف قرن؟ ألا يعلمون أن هذا المواطن مهدد في حياته ورزقه من إسرائيل؟ ألا يعلمون أن هذا المواطن يحتاج إلى حماية حقيقية وفاعلة من الهمجية الإسرائيلية؟

لماذا ينقمون من سلاح المقاومة، في وقت لم يجد فيه أهل الجنوب إلا سلاح القاومة، يبادر إلى حمايتهم من إسرائيل؟ هل يريد البعض جعل الجنوب - بل كل لبنان - مكشوفاً أمام إسرائيل لتستبيحه متى شاءت، وتفرض خياراتها عليه؟ هل يعتقد البعض أن دماء أهل الجنوب رخيصة إلى مستوى يريد أن يجعل المواطن الجنوبي مادة سهلة لآلة القتل والعدوان الإسرائيلي؟

يريد المواطن الجنوبي من جيشه الوطني أن يقوم بحمايته، لكنه - أي المواطن - يعرف أيضاً أن الجيش بإمكاناته وعتاده الحالي لا يستطيع وحده أن يردع إسرائيل، لذلك هو في الوقت الذي يريد من جيشه الوطني أن يكون إلى جانبه، لا يريد في المقابل أن يتخلى عن المقاومة، التي أثبتت جدوائيتها في حمايته وتحصيل حقوقه الوطنية.

وفي الوقت الذي يقارب فيه البعض قضية المقاومة وسلاحها مقاربة فئوية وغير سوية، فإن الجنوبي يعي قضية المقاومة وسلاحها، من زاوية الحفاظ على حياته وحفظ أمنه وصون دمه وعرضه وحماية أطفاله وأرزاقه، من زاوية أنه يريد أن يعيش حياته بأمان وكرامة.

لذلك يخطئ كل من يقارب قضية السلاح من زاوية أنه خاضع لموقف سياسي محض، بل هو – أي سلاح المقاومة - يمثل حاجة شعب إلى حياة كريمة وآمنة، يمتلك فيها القدرة على الدفاع عن نفسه أمام أي اعتداء أو عدوان تفكر فيه إسرائيل.

إن المواطن الجنوبي، وفي ظل غياب الحماية الحقيقية له من قبل الدولة، قد وفر له هذا السلاح مستوى متقدماً من الشعور بالأمن والحماية وقدرة الدفاع عن نفسه، ولذلك عندما يشعر هذا المواطن أن الدولة قد استفاقت من غيابها، ووضعت حداً لاستقالتها من وظيفتها في الدفاع والحماية الحقيقية والجادة له، عندها سوف يكون مقبولاً لدى هذا المواطن الحديث عن سلاح المقاومة.

 

 

* جريدة الأخبار، 12/10/2006م.

عدد قراءات المقال : 667

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

703660 زائـــــر منذ 01-02-2015

موقع الشيخ الدكتور محمد شقير