في نقد التراث الدّيني: من التّاريخ إلى الحاضر
القراءات النّقديّة والتّحليليّة للدّين والتّراث والتّاريخ أمر قائم، وهي تدلّ على واقع حيويّ وصحّي بالمعنى المعرفي للكلمة، هذا فضلاً عن النّصح بالإطلاع على تلك القراءات والاستفادة منها. لكن لا بدّ من ذكر جملة من الملاحظات في هذا السياق:
وإنّ أيّ فكر لا يملك القدرة على التفاعل العلمي، والاستدلال العقلاني، لن يستطيع أن يثبت قدرته على الاستمرار، أو يحرز مكانته المعرفيّة، حتّى لو كان هذا الفكر فكراً دينيّاً.
لكن علينا أن نلتفت إلى أنّ ذلك التّوظيف عادةً ما يقع في الإسقاط المنهجي والمعرفي، بل أيضاً الأيديولوجي في أكثر من مورد. وعادة ما تعوز من يمارس ذلك التوظيف الخبرة المطلوبة في التّعامل مع مواد ذلك التّراث، ونصوصه، ومصادره، ممّا يؤدّي غالباً إلى الوقوع في الكثير من الأخطاء المنهجيّة والعلميّة.
وهو ما يتطلّب كبح العصبيّات على أنواعها، وامتلاك أخلاقيّات البحث العلمي وقيمه، وتعزيز العقلانيّة، لأن كل ذلك من أهم الشروط المطلوب توفّرها لتحقيق أيّة تنمية، أو تقدّم، في أي مجتمع أو بلد.
نعم نحتاج إلى كثير من الجرأة، والتّجرّد، والحرية، والعقلانيّة لممارسة النّقد والتّحليل... لكن أن نوجّه هذا الجهد النقدي لواقعنا، وما نحن عليه؛ أولى بكثير، لأن ما فعله الآخرون لا سلطة لنا على تغييره، في حين نمتلك الإرادة لتغيير حاضرنا. ونقد الآخرين قد لا يكون مجدياً في أكثر من مورد، في حين تكمن كلّ الجدوى في نقدنا لأنفسنا، وهي أحوج بالنّقد من غيرنا. ولأنّ التّاريخ قد صنعه غيرنا، ولا قدرة لنا على تبديله، في حين أنّنا نحن الذين نصنع تاريخنا، ولنا كلّ الإرادة في اختيار حاضرنا، ومستقبلنا. ولأنّ القداسة التي استخدمت لتعطيل العقل والنّقد في أكثر من مكان وتاريخ، قد نكون نحن من عمل على استجرارها، وإلباسها لطائفيّتنا، وممارساتها، التي هي أولى بالنّقد والنّفي من أي شيء آخر.
يكفينا أن نخرج من طائفيّتنا، وأن نخرجها من أنفسنا، وثقافتنا، ووعينا، وسياساتنا الحزبيّة، عندها يمكن القول إنّ النّقد قد آتى أكله، وبلغ السعي مقصده، وأخذنا العبرة من أكثر من تاريخ.
عدد قراءات المقال : 1358