عن المقاومة والاقتصاد والحراك

                       عن المقاومة والاقتصاد والحراك

في خضم الحرب على المقاومة في لبنان، يسعى البعض إلى تحميلها مسؤوليّة ما آل إليه الوضع الاقتصادي فيه، وصولاً إلى المطالبة بنزع السلاح، وتصويره بمثابة أساس للإنقاذ الاقتصادي.

سوف أعمد في هذه المقالة إلى إثارة أكثر من نقطة تشير إلى الدّور الإيجابي للمقاومة في الاقتصاد اللّبناني، بما فيه الاقتصاد الاجتماعي، متعرّضاً إلى الدّعوة إلى نزع سلاحها، واستغلال المطالب المعيشيّة للتّصويب عليها، وصولاً إلى تقديم توصية إلى الحراك في هذا الشأن.

للإشارة إلى الدّور الإيجابي للمقاومة في الاقتصاد اللّبناني، من المجدي الإلفات إلى النّقاط التّالية:

  1. أمكن للمقاومة على مدى سنوات أن توجِد معادلة ردع تحمي لبنان من العدوان الإسرائيلي، بمعنى أنّها تجعل من هذا العدوان أمراً صعباً ومكلفاً للغاية على الكيان الإسرائيلي، بما يؤدي إلى ردعه. ومن الواضح أن العدوان الإسرائيلي المحتمل يمثّل خطراً كبيراً على لبنان واقتصاده، في حين أنّ تكريس معادلة ردع فاعلة لعدوانه، توفر بيئة مناسبة، ومناخاً مساعداً لازدهار الاقتصاد وتعافيه.
  2. لو فرضنا أنّ الدّولة اللّبنانيّة أمكن لها أن تأخذ القرار لتوفير بنية عسكريّة رادعة، وتالياً ميزانيّات ماليّة قادرة على تحقيق ذاك الرّدع، فكم كانت ستنفق الدّولة على مدى ما يقرب من نصف قرن، من مرحلة الإمام الصّدر إلى ما بعدها، من عشرات مليارات الدّولارات على هذا الأمر، وخصوصاً في ظلّ ما تعانيه من ضعف، وأزمات، وفساد، وغير ذلك؟

إنّ مبادرة المقاومة إلى تحمّل هذه المهمّة، قد وفّر على الدّولة هذا المستوى الكبير من الإنفاق العسكري، وتلك المبالغ الضّخمة، لو كان هناك قرارٌ بتحقيق قدرة ردع من قبل الدّولة للعدوّ الإسرائيلي.

  1. تملك المقاومة من الدّور والمصداقيّة والمكانة والعلاقات في الدّاخل اللّبناني وخارجه العربي والإقليمي، ما يمكن توظيفه في خدمة الاقتصاد اللّبناني ومعالجة أزماته الحاليّة، وخصوصاً مع الجوار العربي، وكونه منفذاً تجاريّاً حصريّاً إلى أسواق واعدة، وهو ما سوف يكون له أثر إيجابي بالغ على هذا الاقتصاد وحلّ أزماته.
  2. ساهمت المقاومة بشكل فاعل من خلال مؤسّساتها المتنوّعة وإمكانيّاتها الماليّة في أكثر من دور اجتماعي وتربوي وصحّي وغيره، بما يفضي إلى تنشيط أكثر من دورة اقتصاديّة محليّة، والإسهام في تحريك عجلتها، وهو ما يصبّ في نهاية المطاف في الاقتصاد الوطني، ومعالجة الأزمات التي يعاني منها المجتمع اللّبناني من الفقر، والبطالة، والمرض، والأميّة، وغيرها من الأمور التي تترتّب على تدهور الوضع الاقتصادي.

هذا فيما لو كان الحديث على المستوى الاقتصادي عامّة، والاقتصاد الاجتماعي بشكل خاص.

  1. عطفاً على النّقطة السابقة، فقد كان للمقاومة - وما زال - بعض المؤسّسات التّنمويّة، والعديد من الجمعيّات التّعاونيّة التي تسهم في التّنمية الاقتصاديّة، وخُصوصاً في التّنمية الزّراعيّة في الأرياف وغيرها، وقد كان لها العديد من الإسهامات في هذا المجال.
  2. لقد كان للمقاومة في لبنان دور أساس في الحفاظ على الاستقرار الدّاخلي، من خلال النّهج السياسي المعتمد لديها، في الحرص على التّوافق الوطني، وتجنّب الإنجرار إلى النّزاعات الدّاخليّة، واعتماد الحوار، والإنصاف، والعقلانيّة، والواقعيّة، والبعد عن جميع عوامل التّوتّر والتّشنّج والتّأزيم، وهو ما يترك أثراً حاسماً في الاقتصاد، الذي يحتاج إلى مناخ سياسي مؤاتٍ، وإلى بيئة سياسيّة أقرب إلى الاستقرار، وأبعد عن الاحتراب.
  3. إنّ المقاومة هي من الأطراف الأساسيّة في الدّاخل اللّبناني، التي تمتلك رؤية ومشروعاً، بما في ذلك في الإطار الاقتصادي والاجتماعي والمالي، وهي تملك من الرّصيد القيمي، ومن الجديّة والمصداقيّة والمسؤوليّة والعقلانيّة والعلميّة، ما يجعلها طرفاً موثوقاً ومعتمداً عليه - فضلاً عن فرقاء آخرين - في مشروع الإنقاذ الوطني على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمالي. وبالتّالي يمكن أن يكون لها إسهامها الفاعل في هذا الميدان، ودورها المؤثر في الدّفع نحو نجاح تجربة الإنقاذ الاقتصادي والمالي، بما ينعكس إيجاباً على المستقبل الاقتصادي والمعيشي للوطن وأهله.
  4. وهناك أمر لا بدّ من ذكره، وإن كان محلّ نقاش، مفاده أنّ وجود المقاومة في لبنان كطرف أساس وفاعل، قد يدفع أكثر من جهةٍ دوليّة وغير دوليّة للإسهام في دعم مستوى من مستويات الإنقاذ الاقتصادي، أو بالحدّ الأدنى دعم عدم الانهيار الاقتصادي والمالي، لحسابات ترتبط بما يمكن أن يتركه هذا الانهيار من ارتدادات وتبعات قد تطال الكيان الإسرائيلي وأمنه.

 

وبمعزلٍ عن أي نقاش تفصيلي في أي من النّقاط السالفة وغيرها، يمكن القول، وبيقين ثابت، إنّ المقاومة في لبنان، وبالمقارنة مع جميع الأطراف السياسيّين وغير السياسيّين دون استثناء، هي الطّرف الأفضل من حيث انعكاس مشروعها ونهجها وفعلها وأدائها بشكل أكثر إيجابيّة على المجالين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، وهي الطّرف الذي كان له، وما زال، أكثر من إسهام إيجابي وأفضله في تلك المجالات، بالمقارنة مع أطراف أخرى مسؤولة عمّا آل إليه الوضع الاقتصادي وغيره. ويكفيها فضلاً أنّها تحمّلت عن لبنان، كدولة، وعن جميع اللّبنانيّين، مهمّة تنوء بها الدّول ذات الثّقل، وما زالت تفعل، في الدّفاع عن الوطن والتّحرير والرّدع.

إذاً، يطرح السّؤال التّالي: لماذا التّصويب على المقاومة من البوّابة المعيشيّة والاقتصاديّة؟

الجواب هو بكلّ وضوح: المشروع الإسرائيلي والأمريكي، الذي لا همّ له ولا هدف يصبو إليه إلّا العمل على إضعاف المقاومة وتشويهها، وتوظيف أيّ معطى، ولو كان معيشيّاً واقتصاديّاً، من أجل الإضرار بالمقاومة والإساءة إليها.

وسوف يجد هذا المشروع في الدّاخل اللّبناني من ارتضى أن يكون أداةً توظَّف لتحقيق هدفه، ومطيّة تُركب لبلوغ وطره، واختار أن ينحاز إلى عداوة المقاومة، لأنّها هشّمت أسطورة الكيان الإسرائيلي، وخاب به حلفاؤه.

 

إنّ استغلال الحراك من قبل بعض المجموعات، أو الجهات، للمطالبة بنزع سلاح المقاومة، لن ينتج إلّا مجرّد عراضة إعلاميّة، لا تصلح إلّا كخبر في إعلامٍ بائسٍ، معادٍ لمشروع المقاومة في المنطقة.

ولنا على هذا التّوظيف أكثر من ملاحظة:

  1. لن يؤثّر على مشروع المقاومة، ولن يضعف فعلها، أو يوهن من دورها.
  2. سوف يزيد من الالتفاف حولها، ويقوّي التشبّث بقيمها، وتصلب قاعدتها بنهجها.
  3. سوف يسهم في مزيد من الدّعم لها، واستجماع عناصر القوّة لديها، لأنّ التّجارب تفيد النّاظر أنّ المقاومة يصلب عودها بالنّزال، وتجترح عناصر قوّتها بالاختبار، وأنّها بالتّحدّيات - هزلت أو عظمت - تستولد الإنجاز.
  4. أقصى ما ينتجه ذاك التّوظيف أنّه يفضح أدواته، ويُسفر عن خوائها.
  5. إنّ استغلال المطالب المعيشيّة للتّصويب على المقاومة هو بمثابة عدوان على الشعب اللّبناني، وذلك من جهتين:

الأولى، أنّه ينطوي على دعوة إلى تعرية لبنان وإضعافه أمام العدوان الإسرائيلي.

الثّانية، إنّ من يمارس ذاك الاستغلال إنّما يستهين بفقر النّاس، ويهزأ بحاجتهم، ويسيء إلى مطالبهم، ويعتدي على حقوقهم، ويدوس على أوجاعهم، ويتّخذ من ألمهم مطيّة له إلى مآرب خاصّة وغايات رخيصة. وبيان ذلك، أنّه من خلال فعله هذا:

  1. يعمل على حرف الحراك عن أهدافه المعيشيّة والإصلاحيّة، ويدعو إلى تضييعها.
  2. يسهم في إحداث شرخ في الحراك، بما يؤدّي إلى تشتيته وإفشاله.
  3. يدفع باتّجاه الفتنة الطّائفيّة والمذهبيّة والاحتراب الدّاخلي، بما يؤدي إلى تفاقم المشكلة الاقتصاديّة والمعيشيّة، وهو خلاف هدف الحراك.
  4. يدعو إلى إفقاد الحراك الصّادق ظهيراً قويّاً لمطالبه وأهدافه المحقّة والصّحيحة، والمتمثّل - أي الظّهير - في أكثريّة الشعب اللّبناني، والقوى المقاومة، والدّاعمة لها في لبنان.
  5. يسهم في زيادة المشكلة المعيشيّة وتفاقم الأزمة الاقتصاديّة من خلال ما يقوم به من استفزاز، وما يحدثه من فوضى، أو يسبّبه من توتّر أو آخر، يسيء إلى الاستقرار، الذي يحتاجه الاقتصاد.

وعليه، هو يمارس عدواناً على النّاس، وعلى الفقراء، وعلى الحراك، والذي عليه - بناءً على ما تقدّم - أن يحدّد موقفه بوضوح وحزم من أي جهةٍ، أو شخصيّة، تعمل على ركوب الحراك، لتنفيذ أجندة تخدم العدوّ الإسرائيلي، وعدوانه على لبنان، وعلى شعبه، واقتصاده.

 

محمّد شقير          

أستاذ الفلسفة في    

الجامعة اللّبنانيّة    

عدد قراءات المقال : 623

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

716392 زائـــــر منذ 01-02-2015

موقع الشيخ الدكتور محمد شقير