إعلان القدس عاصمة للكيان... ومحور الاعتدال العربي
صدر إعلان الرئيس الأميركي ترامب عن اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، هذا الإعلان الذي لم يأت معزولاً عن السياقات التاريخية والسياسية والعسكرية التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط، حيث سيكون من التبسيط بمكان أن يربط هذا الموضوع فقط بالصفات الشخصية للرئيس الأميركي هذا، واستعداده لأخذ مبادرات قد توصف بالمتهورة.
يبقى السؤال حول ردة الفعل العربية، وتحديداً من قبل ما يسمى بمحور الاعتدال العربي والدول التي تدور في فلكه على هذا الإعلان، فهل سوف تقتصر ردة الفعل على تلك المواقف والبيانات المكرورة؟ وكيف نستطيع القول إنّ ردة الفعل على ذاك الإعلان تمتلك تأثيراً جوهرياً يمكن أن ينعكس في تلك الموازين التي تفرغ ذلك الإعلان من مضمونه، أو تحيل مفاعيله الى نتائج عكسية لما أراده صاحب الإعلان.
قد يبدو هذا السؤال مبرراً عندما ندرك أن استراتيجية هذا المحور وسياساته قد كانت وما زالت الأساس في تلك السياقات التي أدّت الى ما أدّت إليه من هذا الإعلان، وما سوف يترتب عليه. حيث تطرح في هذا المورد فرضيتان:
الأولى، وتذهب الى أن محور الاعتدال هذا متواطىء بشكل مباشر مع الولايات المتحدة الأميركية في تفاهمات تتضمن إعطاء القدس للكيان الإسرائيلي، وشطب حق العودة، الخ، ضمن ما بات يعرف بصفقة القرن.
الفرضية الثانية، وتذهب الى أن استراتيجية هذا المحور هي التي تتحمل مسؤولية ما آلت اليه الأمور فيما يرتبط بالقضية الفلسطينية وقضية القدس، من سعيه الى اعتبار أن إيران هي العدو وليس إسرائيل، والتصرف على أساس ذلك - بما في ذلك التطبيع مع الكيان الإسرائيلي-، الى اعتبار حركات المقاومة حركات إرهابية، الى شنّه الحرب على دول محور المقاومة، وخصوصاً على سوريا وعلى اليمن والعراق، ودعمه للحركات التكفيرية، وتوظيفها في إطار إضعاف محور المقاومة؛ وهو ما أدّى الى تهيئة تلك البيئة الاستراتيجية التي شجعت الرئيس الاميركي- ومن خلفه الكيان الإسرائيلي- على هذا الإعلان كمقدمة للوصول الى الغايات المتوخاة منه، عندما أصبح ينظر كلٌّ من الطرفين الى الآخر على أنه حليف بوجه محور المقاومة.
هذا وتشترك هاتان الفرضيتان في النتيجة التالية، وهي تحميل مسؤولية الأمور في المنطقة لما يسمى بمحور الاعتدال العربي ذاك، سواءٌ بالتواطؤ المباشر أم غير المباشر.
إنّ ما تقدم يعود الى الاستنتاج التالي وهو أنّ هذا المحور (الاعتدال) يمكن أن يكون موقفه ذا قيمة وذا مصداقية إذا ما أقدم على خطوات تشكل تبدلاً جوهرياً في رؤيته واستراتيجيته وسياساته في المنطقة، والتي تتضمن ما يلي:
1- إعادة تعريف العدو على إنّه الكيان الإسرائيلي، وليس إيران أو محور المقاومة.
2- إيقاف الحروب-على اختلافها- التي يشنها محور الاعتدال ذاك على محور المقاومة وخصوصاً على اليمن وسوريا.
3- إيقاف الدعم الذي يقدّمه للحركات التكفيرية التي تستهدف محور المقاومة.
4- التراجع عن اعتباره حركات المقاومة حركات إرهابية.
5- الاستعداد لمشروع مصالحة مع محور المقاومة في المنطقة، يعتمد الحوار سبيلاً لحل الأزمات، ويقوم على أساس من أولوية القضية الفلسطينية ومحوريتها.
أما كون هذه النقاط هي الدليل على صدقية مواقف محور الاعتدال ذاك؛ فلسببٍ بسيط جداً، وهو أن الذي شكّل في السنوات الماضية تهديداً استراتيجياً بل وجودياً للكيان الإسرائيلي، وقلب الميزان الاستراتيجي في المنطقة لصالح القضية الفلسطينية، هو محور المقاومة، وأنّ القادر على حماية القدس، بل وتحرير فلسطين، هو محور المقاومة ذاك، وليس سياسات ومواقف محور الاعتدال ودوله. ولذا سيكون من المنطقي جداً أن يصبح الموقف من محور المقاومة، وفعل المقاومة، هو معيار الموقف من القدس وفلسطين. ومن هنا سوف يكون من المنطقي الاستنتاج أن إقدام محور الاعتدال على افتعال الحروب مع محور المقاومة، وعليه، والسعي الى إضعافه، فعلٌ يرقى الى الاشتراك في التنازل عن القدس، وبيع فلسطين، وتصفية القضية الفلسطينية. في حين أن التصالح مع محور المقاومة قد يعني فيما يعنيه تحولاً في الموقف من قضية القدس وفلسطين، لما قد يعنيه ذلك من عاملٍ من العوامل المساعدة على فعل التحرير ونيل الحقوق.
قد لا يكون مطلوباً من دول محور الاعتدال أن تقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، ولا أن تستخدم سلاح النفط للضغط عليها، ولا أن تستجمع دول التحالف الإسلامي الأربعين لممارسة التهديد والوعيد، ولا أن تعلن عاصفة حزم أو عزم لتحرر فلسطين والقدس، يكفي أن تجلس جانباً، وتدع محور المقاومة يقوم بدوره، دون أن تتصدّى لإضعافه، وإفشاله، والتآمر عليه، إلا إن كانت القدس بعض ثمنٍ لبلوغ العرش.