لماذا تخشى إسرائيل هزيمة أمريكا؟
من الواضح أن إسرائيل تزداد شعوراً بالقلق كلما شعرت بقرب هزيمة أمريكا في العراق، وخروجها من المنطقة. وهي في نظر الكثيرين هزيمة واقعة بمعزل عن دويّها وزمانها، وبمعزل عن التداعيات التي سوف تنتج عن هذه الهزيمة على أكثر من مستوى دولي وإقليمي، وعلى مستوى الداخل الأمريكي. لكن السؤال الذي يطرح هنا هو: لماذا تخشى إسرائيل هزيمة أمريكا في العراق؟
إنّ خشية إسرائيل من هزيمة الأمريكيين في العراق، وخروجهم من المنطقة، لما لهذه الهزيمة من تداعيات عديدة على إسرائيل نفسها، تجعل من الوضع الإسرائيلي وضعاً أشدّ صعوبةً في المنطقة، لتسهم تالياً في إضعاف إسرائيل، ولربما زيادة احتمالية زوالها، وإنهاء وجودها.
إنّ من أهم التداعيات التي قد تترتّب على هزيمة الأمريكيين في العراق، وخروجهم من المنطقة، والتي تمسّ بالكيان الإسرائيلي، ما يلي:
أولاً: إن النتيجة التي يمكن التوصل إليها في حال هزيمة أمريكا في العراق، هي إمكانية هزيمة إسرائيل في فلسطين، إذ إنّ كلاً منهما يمارس احتلالاً، وإذا كانت أمريكا أقوى من إسرائيل، فإن المعادلة البسيطة تقول: إنّ من يستطيع أن يهزم الأقوى، يستطيع أن يهزم الأقل قوة. أي إن من يستطيع أن يهزم أمريكا، يستطيع أن يهزم إسرائيل. وهو ما سوف يعمل على دفع الطرف أو الأطراف المنتصرة على إسرائيل باتجاه تصويب جهودها وفعلها وعملها نحو الكيان الإسرائيلي، لتكون المواجهة التالية مع الكيان الإسرائيلي في فلسطين، بعد المواجهة مع أميركا في العراق.
ثانياً: إن الانتصار على أميركا في العراق سوف يعيد الثقة إلى الشعوب العربية والإسلامية بقدرتها على صناعة النصر، وتحرير الأرض، وتحدي إرادة تلك الدول، التي تهدف إلى السيطرة والهيمنة، وعلى مواجهة مشاريعها في استلاب الإرادات ونهب الثروات، وسوف يعيد لها ثقتها بثقافتها، وتراثها، واعتزازها بهويتها القومية، ويسهم في اجتراح إرادتها الواعية والقادرة على تحصين الذات، وصون الحقوق، وصناعة المستقبل، وحماية الثروات والبلاد والعباد من أية محاولة للاختراق، أو الاحتلال، أو الاستلاب، أو مصادرة القرار، أو تعطيل الشعور بالعزّة القومية أو الكرامة الإنسانية.
ولا شك أن استعادة تلك الشعوب لثقتها بقدرتها وهويتها وثقافتها، سوف يسهم بقوة في بلورة مواقف أكثر حزماً، وأكثر قوة وتشدّداً من الكيان الإسرائيلي واحتلاله وممارساته العدوانية، وهو ما سوف يؤدي إلى جعل الموقف الإسرائيلي موقفاً أشدّ ضعفاً وتراجعاً، لأنه سوف يواجه شعوباً مسلحة بثقة أكبر بقدرتها على تغيير المعادلات، وفرض إرادتها، وتحرير أراضيها المحتلة.
ثالثاً: إنّ من أهم المؤشرات التي قد تحملها هزيمة أمريكا في العراق وخروجها من المنطقة بفعل ضغوط قوى المقاومة، هو ضعف أمريكا، بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل عقود من الزمن، ومع صعود قوى أخرى على المسرح الدولي والأقليمي، ومع الأخذ بعين الاعتبار عوامل بنيوية وداخلية عديدة ترتبط بالمنحى الانحداري لقوة الأمبراطورية الأمريكية وتراجعها. وهو ما يعني أن تفتقد أمريكا أحاديتها كقوة عظمى دولية، وتفرّدها بالشأن الدولي وغيره، مما يفضي إلى أن يتقلّص نفوذها، وتنحسر هيمنتها، وتضعف قدرتها على فرض مصالحها وإرادتها وخياراتها بشكل أحادي على المسرح الدولي، وفي المنطقة، كما كانت عليه من ذي قبل.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي السند الاستراتيجي الوحيد تقريباً للكيان الإسرائيلي؛ فهذا يعني أن تراجع دور هذا الإسناد الاستراتيجيي، مقارنة مع ما كان عليه من ذي قبل؛ سوف يترك أثره الفاعل والمباشر على هذا الكيان. أي إن ضعف الهيمنة الأمريكية، وانحسار النفوذ الأمريكي ولوبشكلٍ نسبي؛ سوف يؤديان حكماً إلى الإسهام في ضعف إسرائيل، وزيادة مستوى الأخطار الاستراتيجية والوجودية حولها، وضعف قوة الردع لديها.
وإذا ما أصبحت إسرائيل أكثر ضعفاً، سوف يكون أكثر صعوبة عليها أن تواجه حركات المقاومة في فلسطين والمنطقة، وبالتالي سوف يصبح الوضع الإسرائيلي أكثر حراجة عما كان عليه من ذي قبل، في حين أن دور المقاومة لإسرائيل واحتلالها سوف يتعزّز أكثر من ذي قبل.
رابعاً: إنّ هزيمة أمريكا في العراق، وانسحابها بالتالي من بلاد الرافدين، سوف يؤديان بالعديد من قوى المقاومة والقوى الإسلامية إلى توجيه جهودها وإمكانياتها نحو فلسطين، إذ سترى أن مهمتها في العراق قد انتهت، أو لم يعد لديها ذلك الشغل الشاغل فيه، وأنها تستطيع بالتالي أن تتجه نحو فلسطين لإعانة أهلها على تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، ولنصرة قوى المقاومة التي تقاتل الاحتلال، ودعمها، وتقديم مختلف أشكال العون لها.
ولا ريب أن توجيه جميع قوى المقاومة لجهودها صوب فلسطين، دون إشغالها في ساحات أخرى موازية، سيؤدي إلى زيادة مستىوى التعقيد والتحدّيات التي تواجه الكيان الإسرائيلي، عندما تصبح في مواجهة العديد من قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، والعالمين العربي والإسلامي.
خامساً: إنّ مجرد هزيمة أمريكا في العراق وخروجها من المنطقة، مع ما لذلك من مؤشرات ونتائج، سوف يقود إلى ضعف معنويات المجتمع الإسرائيلي ووهن إرادته القومية ، وإلى زيادة منسوب القلق الوجودي، وارتفاع درجة التوتّر لديه، ومستوى الخوف من المستقبل وعليه، وهو ما سوف ينعكس حكماً على الجيش الإسرائيلي، ليؤثر لاحقاً على أدائه وكفاءته، وتراجع الإرادة القتالية لديه؛ بل على مجمل الكيان الإسرائيلي، في مواجهة قوى المقاومة والممانعة.
إنّ ارتفاع منسوب القلق والخوف، سوف تكون له آثاره على أكثر من مستوى سياسي وعسكري واقتصادي واجتماعي، ليؤدي إلى زيادة التسرّب من إسرائيل، وازدياد حركة الهجرة المعاكسة منها، ولينعكس سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي.
إنّ كل ما تقدّم سوف يسهم في وهن الإرادة القومية في إسرائيل، وسوف ينقلب الخوف على إسرائيل إلى خوف منها، ما سوف يؤدي إلى جملة من التداعيات التي تجعل –مع الوقت- من مستقبل إسرائيل على المحكّ، ومن استمرارها استمراراً مشكوكاً فيه. وعليه، سيكون من الواضح لماذا تدفع إسرائيل باتجاه إبقاء أمريكا في العراق، بل باتجاه توريطها أكثر في المنطقة، من خلال دفعها لمهاجمة إيران، ولماذا تخاف بالتالي من هزيمتها في العراق والمنطقة.