نهاية الكيان الصهيوني...

                   نهاية الكيان الصهيوني...

 

ليس الأمر متصلاً بجملة من النبؤات، أو بتحليل يقوم على الأمنيات، بل هو مرتبط بقراءة المسارات التي تسلكها معادلات الصراع بين الكيان الإسرائيلي من جهة، وقوى المقاومة الرافضة له من جهة أخرى، والتي تفصح عن أن هذه المعادلات تسير بشكل تراكمي ومستديم، ومنذ حوالى عقود ثلاثة من الزمن، بل أكثر، لغير صالح ذلك الكيان. وهو ما يوفر أكثر من مرتكز لممارسة نوع استشراف مستقبلي، لما يمكن أن يكون عليه الحال بعد سنوات من الآن، إذا استمرت هذه المعادلات تسير على النحو الذي هي عليه الآن.

لقد كان هذا الكيان وبحكم قوته العسكرية وعوامل مختلفة، يفرض إرادته ومعادلاته على جميع شعوب ودول المنطقة، إلى أن اجتاحت إسرائيل لبنان ومارست احتلالاً لأراضيه وصل إلى العاصمة بيروت، حيث استمرّت المقاومة تراكم قوتها وتفرض معادلاتها، إلى أن أجبر على الاندحار من مجمل الأراضي اللبنانية في العام 2000م، حيث كانت الانعطافة الاستراتيجية، والدرس الأكبر في تاريخ الصراع مع ذلك الكيان، أنه ليس عصياً على الهزيمة، وأننا نستطيع أن ننتصر ونفرض إرادتنا عليه، وأن إرادته قابلة لأن تكسر، وذلك إذا ما أخذنا بأسباب النصر وعوامل الغلبة.

لكن هذا الاختلال في معادلات الصراع وموازين لصالح قوى المقاومة في المنطقة لم يقف عند حدود العام 2000م، أو العام 2006م، حيث أفرزت الحرب على لبنان في هذا العام تداعيات استراتيجية عديدة على ذلك الكيان؛ بل استمر بعده بوتيرة أو أخرى. بمعنى أنّ إسرائيل ورغم متلاكها لقوة عسكرية – وغير عسكرية – كبيرة، إلا أنّ ميزان الصراع بين الكيان وقوى المقاومة كان يستمر بالانزياح بشكل مستديم ومطرد لصالح تلك القوى ومشروعها.

والدليل على ذلك أنه في كل حرب أو معركة أو جولة قتالية، كانت تتبدّى إمكانيات جديدة ومؤثرة، ويتمّ تثبيت معادلات وقواعد جديدة في الصراع مع ذلك الكيان لصالح قوى المقاومة وشعوب المنطقة، لم تكن موجودة من ذي قبل، ما ينبئ عن أن الخط البياني للصراع ومعادلاته كان –وما زال- يتحرك بشكل مستديم لغير صالح الاحتلال وكيانه.

إنّ من يعاين حال ذلك الكيان الآن، قد يستنتج أنه يعاني من اختلالات ونقاط ضعف عديدة، ترتبط بمعادلات الصراع مع قوى المقاومة ومحورها في المنطقة، والتي منها:

  1. إنقسام بنيوي حاد على كافة المستويات السياسية، والعرقية، وذات الطابع الديني.
  2. أزمة قيادة، والتي قد تكون إحدى تعبيرات أزمة الانقسام البنيوي تلك.
  3. ضعف العامل الأيديولوجي، بمعنى أن الجيل الإسرائيلي حالياً -في مجمله- هو جيل الرفاهية، وليس جيل القضية، بالمقارنة مع ما كان عليه الجيل المؤسس.
  4. يترتّب على ما سلف أن الإرادة القومية للاجتماع الإسرائيلي هي أوهن مما كانت عليه سابقاً، وهو ما يتبدّى في وهن الإرادة القتالية، وضعف القدرة على المواجهة، أوالاستعداد للتضحية والتحمّل...
  5. زيادة منسوب التطرّف لدى ذلك الكيان، ما يجعله أكثر انزياحاً إلى اتّباع سياسات غير عقلانية، تعجّل على نهايته، وتوفير شروط زواله.

أما إذا أردنا أن نقف عند الحدث الحالي، والحرب الحالية الدائرة في داخل فلسطين، لنقرأها في السياق الآنف الذكر؛ فلا بدّ من بيان ما يلي:

أولاً: إنّ المقاومة قد أصبحت تملك من تصاعد الإرادة، والجرأة على المواجهة، والاستعداد لفرض معادلات جديدة وكسر معادلات العدو وإرادته؛ ما يعرّض مجمل إنجازات ذلك العدو على مدى عقود للضياع والخسارة.

ثانياً: قد أضحت المقاومة تملك من الإمكانيات العسكرية والتسليحية والخبرات.. ما يؤسّس لفرض معادلات جديدة لصالحها، وكسر المعادلات والقواعد السابقة.

ثالثاً: الجبهة الداخلية للكيان بأكملها قد أصبحت جزءاً من أي حرب قائمة أو قادمة. لقد أضحت إسرائيل كلّها ساحة حرب. إسرائيل لم تعد آمنة، ولم تعد محميّة، في مدنها، ومستوطناتها، ومستوطنيها، واقتصادها، ومصانعها، وشركاتها، ومؤسساتها، ومنشآتها... كل ذلك قد أصبح في دائرة النار، وفي معرض الاستهداف.

رابعاً: لقد أصبح فلسطينيو الداخل -48- جزءاً من أية مواجهة، حيث أظهر ما يحصل إلى الآن أنّ إسرائيل فشلت في إلغاء هويتهم، وتبديل انتمائهم، وتشويه وعيهم، وتعطيل أي دور لهم في معادلات الصراع والتحرير. وهم الذين يشكلون ثقلاً ديموغرافياً لا يستهان به، فإذا كانت الجغرافيا تغلب السياسة، فإنّ الديموغرافيا تغلب الجغرافيا، وتصنع التاريخ، وتتحكّم في تحوّلاته ومجرياته.

خامساً: إذا نظرنا إلى البيئة الاستراتيجية المتصلة بالكيان، فإنّها تتغيّر أيضاً لصالح محور المقاومة، من لبنان إلى فلسطين وسوريا والعراق واليمن وإيران. والسؤال: ماذا لو انتقل ذلك المحور من تكامل أو تعاون الجبهات إلى توحيد الجبهات؟ ماذا لو فُتحت هذه الجبهات دفعة واحدة، ومن ضمن عقيدة قتالية أشدّ هجومية، فهل يستطيع أن يتحمّل ذلك الكيان آلاف أو عشرات الآلاف من الصواريخ التي تنهمر عليه من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه؟ وماذا لو تبدّلت استراتيجية محور المقاومة من دفاعية إلى دفاعية-هجومية؟ وماذا لو بدأنا نشهد في أية حرب قادمة دخول بعض وحدات المقاومة وكتائبها إلى بعض مستوطناته وقواعده وتحريرها؟ وكيف سيكون حال أيّ مستوطن أو محتلّ عندما يصل إلى قناعة أنّ حدود كيانه لم تعد آمنة، وأنّ جيشه لم يعد قادراً على حمايته وتوفير الأمان له، وأنّ مستقبله قد أصبح في معرض التهديد، وأنّ حلمه في أرض الميعاد قد تحوّل إلى كابوس، وأنّ جميع انجازاته قد أضحت في معرض الضياع، وأنّ ما بناه قد أضحى في معرض الهدم، وأنّه قد يستيقظ ذات يوم ليجد أنّه قد خسر كل شيء داخل فلسطين؟ وخصوصاً إذا كان من السهل على مجمل المستوطنين أن يعودوا إلى أوطانهم التي أتوا منها، ليختاروا النجاة بأنفسهم وأموالهم، على فقدها والمخاطرة بها؟

إنّ الفكرة الأساس هي أن الذي يحمي الكيان الإسرائيلي ليس فقط وجود تلك القوة العسكرية لديه، بل القدرة على توظيف هذه القوة بطريقة يحقّق فيها أهدافه ومصالحه، ويفرض معادلاته وإرادته؛ أما اذا أمكن إفراغ تلك القوة من وظيفتها تلك، ومن قدرتها على حماية الكيان، ومن فرض إرادته ومعادلاته؛ فهذا يعني أن تلك القوة قد فقدت جدوائيتها. وعندما تفقد قوة الكيان جدوائيتها ووظيفتها الأساس، فهذا يعني أننا أمام مسارٍ مستديمٍ من فرض معادلات جديدة عند كل مواجهة، أو حرب، أو جولة قتال، لصالح قوى المقاومة ومحورها، الذي هو في حالة صعود دائم في إمكانياته ومبادراته، وقدرته على فرض قواعده ومعادلاته وإرادته؛ وهو ما يعني حكماً وضع ذلك الكيان على طريق الزوال.

عندما يصبح المحور المعادي للكيان الإسرائيلي يمتلك من عناصر وعوامل القوّة، ما يمكنّه اليوم من فرض هذه المعادلة، وغداً معادلة جديدة، وبعد غدٍ معادلة ثالثة.. وهكذا؛ فهذا يعني أنّ غد فلسطين من النهر إلى البحر قد أصبح لناظره قريب، لأنّه بذلك يراكم قوته ومعادلاته، حتى يفرض في نهاية المطاف معادلته الأساس، وهي زوال هذا الكيان، ونهاية احتلاله.

إنّ من يستعظم هذه القراءة، فليبادر إلى إجراء مقارنة بين حال ذلك الكيان، من حيث قدرته على فرض إرادته ومعادلاته، قبل حوالى أربعة عقود من الآن، وبين حاله في يومنا هذا، وصولاً إلى المسار الذي سلكته تلك القدرة وخطّها البياني، حيث سيكتشف أنّ ذلك المسار ومعادلاته يعمل لغير صالح الكيان، وأنه يتحرك بشكل حثيث لصالح قوى المقاومة، ما يوفّر أساساً لاستشراف ما يمكن أن يكون عليه الحال بعد سنوات من الآن.

إنّ ما كان يعدّ حلماً قبل عقود من الآن، قد أصبح حقيقةً ترى اليوم. وما قد يعتبره البعض حلماً اليوم، قد تراه العين غداً. إنّ من يعاين المسار الانحداري لحال الكيان الإسرائيلي في موازين الصراع ومعادلاته، في قبال المسار التصاعدي لقوى المقاومة ومحورها، ووصوله إلى مديات يستطيع فيها فرض إرادته ومعادلاته، وتسارع ذلك المسار في حركته، ودخول عوامل وأسباب عديدة أشرنا إلى مجملها في مقالنا هذا؛ قد يضحى أسهل عليه أن يعاين هذه الحقيقة، أنّ إسرائيل قد انتهت.

عدد قراءات المقال : 629

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

703937 زائـــــر منذ 01-02-2015

موقع الشيخ الدكتور محمد شقير