الخطاب العاشورائي وصناعة التّربية الثّورية

 


الخطاب العاشورائي وصناعة التّربية الثّورية


من الواضح أنّ الخطاب العاشورائي ليس خطاباً عقيماً، بل هو خطاب هادف، يسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف والغايات، سواء على المستوى التّربوي وغير التّربوي، حيث أنّه بمقدار ما ينجح هذا الخطاب في تحقيق تلك الأهداف والغايات، بمقدار ما يكون خطاباً ناجحاً ومفيداً، وبمقدار ما يعجز عن بلوغ ولو شيء من تلك الأهداف والغايات يفقد بمقدارها ذلك المستوى من النّجاح والغائيّة التي قام عليها ويسعى إليها.

كما لا يخفى أن هناك أبعاداً مختلفةً لتلك الغائيّة أو الهدفيّة، والتي منها ما يتصل بالبعد التّربوي في مختلف موارده وعناوينه، واحدٌ من تلك الموارد ما يرتبط بالتّربية الثّوريّة وصناعة تلك التّربية، من حيث قيم الثّورة وأخلاقها، وامتلاك جميع المفاهيم التّربوية التي تدفع إليها، وتحض على القيام بها، كما أيضاً امتلاك تلك المفاهيم التّربويّة التي تحصن أمام أي فعل، يهدف إلى إضعاف الرّوح الثّوريّة، أو النّيل من العزيمة الثّوريّة، والسّعي إلى إفقادها توهجها وغليانها ووعيها، تلك المفاهيم التي تحمي من أي عمل يسعى إلى إخماد روح التّضحية والإيثار والعطاء وثني الأمة عن المشاركة في فعل الثّورة وتحقيق أهدافها.

هنا سوف نبحث في الخطاب العاشورائي والثّورة الحسينيّة، عن أهم تلك القيم والمفاهيم والعبر، التي تنظم تلك التّربية الثّوريّة، وتعمل على بناء تلك المنظومة التّربويّة، التي تؤسس لفعل الثّورة وتدعو إليها، وتحصن من أمراضها، وتحمي من آفاتها، وتعمل على رفدها بمجمل المضامين التّربويّة التي تؤدي إلى إنجاحها، والوصول بها إلى غاياتها ومقاصدها.

لكن قبل بيان مجمل تلك المفاهيم والقيم النّاظمة للتربيّة الثّوريّة، نجد من المناسب الإشارة بإختصار إلى حقيقة الثّورة الحسينيّة، وما جرى مع الإمام الحسين (ع) حتى حصلت الثّورة، وما تلاها من واقعة كربلاء وشهادة الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه.

 لقد استطاع الأمويين – ونتيجة لأسباب عديدة – أن يعيدوا سلطانهم ونفوذهم، بعد أن زال وأندثر لعقود من الزّمن، لكن عودته هذه المرّة حصلت باسم الإسلام، وتحت مسمّى خلافة رسول الله(ص)، ليُستخدم الإسلام من قبلهم في تحريف هذا الدّين، وليُوظّف عنوان خلافة الرّسول(ص) في طمس المعاني والقيم التي جاء بها الرّسول(ص) نفسه.

لقد كان للأمويين مشروعهم الذي يتعدى الغلبة على المُلك، والإستحواذ على السّلطة، إلى توظيف هذه السّلطة لأهداف أبعد من ذلك وأخطر، تتمثل في تبديل هذا الدّين وإسقاط رموزه، وتكريس قيم ومفاهيم تخدم السّلطان وتمهد لإستمراره، وتقدس طاعته، وتخرجه من إطار المُساءلة والمحاسبة، ليكون ظل الله على الأرض الذي لا يُسأل عمّا يَفعل، ويَفعل ما لا يُسأل عنه.

من هنا، فإنّه عندما توفّر النّاصر وأبدى قسم من الأُمّة استعداده للثورة، وتهيّأت الظّروف ، وعندما أرادت السّلطة أن تفرض على الحسين (ع) أن يُعطيها المشروعيّة، فيُبايع لسلطانها الذي لم يكن يحافظ حتى على ظاهر الدّين، عندها خرج الإمام الحسين (ع) بادئاً ثورته، مفتتحاً رحلة الشّهادة، ليحقق بهذه الشّهادة أهداف الثّورة، عندما يعلن بدمائه أن لا مشروعيّة لتلك السّلطة، أو لمشروعها ولأي من مفرداته.

أما أهم تلك المفاهيم والقيم أو العبر النّاظمة لمنظومة التّربية الثّورية في ثورة الإمام الحسين (ع)؛ فيمكن إجمالها فيما يلي:

بدايةً يمكن القول إن جملة تلك المعاني والقيم... تتمحور حول التّأسي بالإمام الحسين (ع) وأهل بيته، واستلهام مجمل ما حصل معهم، خصوصاً ما حصل في كربلاء، يوم عاشوراء، مع الحسين وأهل بيته وأصحابه.

إن من جملة تلك المعاني المستلهمة والملهمة للثورة، ما يدفع إلى تقديم النّفس والمال وكلّ شيء في سبيل تلك الثّورة وتحقيق أهدافها، عندما يُسعى للتماثل مع ما فعله الإمام الحسين (ع)، من حيث أنّه قدم نفسه قرباناً لتحقيق أهداف الثورة وإنجاحها، وضحى بكل ما لديه من أجل ذلك، من الأولاد والأهل والأصحاب والمال و...

 لقد قدّم الإمام الحسين (ع) كل ما لديه، وبذل الغالي والنّفيس في سبيل الله تعالى وعلى طريق ثورته وأهدافها؛ فهنا يكون المردود التّربوي أنّه إذا كان الإمام الحسين (ع) قد فعل ذلك، فلماذا نحن لا نفعل الأمر نفسه، وإذا أردنا أن نتأسى بالحسين (ع)، فعلينا أن نفعل الشّيء الذي فعله، وإنَّ ما لدينا من نفس أو مال أو ولد... ليس أغلى مما كان للحسين؛ فكما استرخص الحسين عطاءه وكلّ ما لديه، فعلينا أن نسترخص عطاءنا وكلّ ما لدينا، ونقدّمه على طريق الثّورة ولتحقيق أهدافها.

 إن المقولات التي عادةً ما يتم تردادها، والتي تسهم في صناعة ذلك الجانب من التّربية الثّوريّة من حيث الدّفع نحو البذل والعطاء، هي أنّ الإمام الحسين (ع) قد قدّم دمه في كربلاء، فدماؤنا ليست أغلى من دماء الحسين(ع) وأنّه قدم أولاده في كربلاء، فأولادنا ليسوا أغلى من أولاد الحسين، وأن الحسين (ع) قد قدّم أهل بيته وماله وكلّ ما لديه، فما لدينا ليس أغلى مما كان لدى الحسين(ع).

 أيضاً من جملة تلك المعاني والقيم.. أنّ الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه قد صبروا وتحملوا كلّ الصّعاب في طريق الثّورة، هم صبروا وثبتوا أمام سياسة التّخويف والتّهديد والإرهاب، وأمام تخاذل الأمة وفقدان النّاصر، هم صبروا في الطريق إلى كربلاء، وفي النّزال يوم عاشوراء، وتحملوا الحصار والجوع والعطش والبعد عن الأوطان، وكلّ شظف العيش ووعثاء السّفر، كما تحملوا معاناة السّبي والأسر وآلام الغربة وظلم الأعداء. وعليه، إذا كان الحسين(ع) وأهله وأصحابه قد صبروا على كلّ ذلك، وتحملوا كلّ تلك الآلام والمعاناة؛ فلماذا لا نفعل ما فعلوه، ألم يفعلوا ذلك ليكونوا أُسوة لنا في الصّبر والتّحمل، ومدرسة لنا في الثّبات وعدم التّراجع، فعلينا أن نتأسى بهم، ونستلهم سيرتهم، ونقتدي بأفعالهم في الصّبر والتّحمل والثّبات، وعدم التّراجع عن الأهداف السّامية والقيم النّبيلة للثورة وأهدافها. وهذا أيضاً مما ينعكس تربوياً في المجتمع وأفراده، عندما يتفاعل مع الخطاب العاشورائي، ويستمع إلى مفرداته والحوادث التي حصلت في المسيرة العاشورائيّة، وصولاً إلى كربلاء وواقعتها.

 ومن جملة ما يتصل بتلك المعاني والقيم.. أنّ الإمام الحسين (ع) لم يقبل بالظّلم الذي يمارس من قبل السّلطة وأدواتها، ولم يقبل بأي شكل من أشكال الفساد والإفساد. وهو أعلن على رؤوس الملأ أنّ السّلطان ظالم، وأنّه خرج لطلب الإصلاح؛ وإذا كان الإعتقاد – وهوكذلك – أنّ ما فعله الحسين (ع) هو درس لنا، وأن مسيرته مدرسة تحوي دروساً في إباء الضّيم، ورفض الظّلم، ومواجهة الفساد في جميع موارده، والسّعي إلى تحقيق الإصلاح في جميع مجالاته، والعمل على إقامة العدل في جميع الميادين وكنس الظّلم بجميع أشكاله وصوره؛ فهذا يعني الدّعوة إلى تحقيق العدالة والإصلاح في أي زمان أو مكان، وفي جميع المجتمعات والأوطان، وهو يعني الحض على مواجهة الفساد مهما تعاظم، أو امتلك من عناصر القوة، ما يوهم أنّه أصبح عصياً على العلاج والإستئصال، وسواء كان فساداً أخلاقياً أو إجتماعياً أو مالياً أو سياسياً أو ... ومهما اتخذ لنفسه من لبوس مزيف، تارةً باسم الدّين، وطوراً باسم الطائفة أو المذهب، والدّفاع عن حريمه وحماه؛ فإنّ ثورة الحسين (ع) تعني الثّورة على كلّ ذلك الفساد، وعلى جميع أشكاله وألوانه، والتّحريض على اقتلاعه من جذوره وأصوله، فلا يمكن أ ن يكون مع الحسين من يمارس الفساد، أو يستفيد منه، أو يسكت عنه. وليس صادقاً من يتلطى بعاشوراء، إذا لم يكن له سهم في تحقيق الإصلاح، والسّعي إلى تطبيقه، في أي مجال كان إدارياً أو مالياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو أخلاقياً أو...

إنّ قيم الثّورة الحسينيّة ترسم أمامنا معادلة لا غبار عليها، ولا شك يعتريها، إنّك إمّا أن تكون مع الحسين وعدالته وإصلاحه، وإمّا أن تكون مع قتلة الحسين (ع)، والظّلم والفساد العابرين ليومه وأرضه، ولا خيار ثالث معهما؛ فمن كان مع الحسين فهو حكماً مع العدالة والإصلاح، ومن كان مع الظّلم والفساد، فهو حكماً مع قتلة الحسين وسافكي دمه. حتى ولو اتخذ من جلباب الحسين ومجالسه ستاراً، ليخفي بها فساداً ارتكبه، وظلماً اقترفه؛ فإنّ الشّاهد على انتمائه للحسين (ع)هو في مكان آخر، هو في ساحة الإصلاح والعدالة، فبمقدار ما يسعى إلى تحقيقها، بمقدار ما ينتمي إلى الحسين (ع)، وبمقدار ما يجهد في مواجهة الظّلم والفساد، بمقدار ما يكون وفياً إلى كربلاء ومعبراً عن عاشوراء.

إنّ فلسفة الثّورة الحسينيّة هي في الدّعوة الدائمة إلى الثّورة على أي ظلم وفساد. إن حقيقة ثورة الحسين(ع) هي في التّوليد الدّائم لتلك الطّاقة التي تسعى إلى تحقيق العدالة والإصلاح. إنّ معنى كربلاء، يكمن في الدّعوة الخالدة إلى الجهاد المستديم عبر التّاريخ، من أجل الانتصار للعدالة ومعانيها، وتطبيق الإصلاح وقيمه في جميع المجالات والميادين وهذا البعد هو من أهم – بل ربّما الأهم – الأبعاد التّربوية التي تنطوي عليها الثّورة الحسينيّة، والتي شكلت – ومازالت – أهم المحركات الثّوريّة للمجتمعات الإسلامية في التّاريخ الإسلامي، للثورة على الظّلم، ومواجهة الفساد.

 وهذا يقتضي أن يُعمل بجهد على الاستثمار الفعّال لهذا البعد التّربوي في الخطاب العاشورائي، حتى يسهم أيّما إسهام في مواجهة جميع أشكال الظّلم والفساد، والتي تعاني منها مجتمعاتنا وأوطاننا، وأن يُعمل في المقابل على عدم السّماح على الإطلاق بطمس هذا البعد القيمي التّربوي، أو التّقليل من أهميته أو تفريغه من معناه.

كما أنّ من تلك القيم والعبر المستفادة من كربلاء وثورة الحسين (ع)، أن الإمام الحسين (ع) لم يهادن السّلطان الفاسد، ولم يداهن السّلطة الظّالمة، بل أعلن عدم مشروعية تلك السّلطة، ودعا إلى إزالة ذلك السّلطان، ورفض أي عرض يؤدي إلى الإعتراف بتلك السّلطة، لأنّه سوف يؤدي إلى الإعتراف بظلمها وتشريع فسادها، بل الإعتراف بمشروعها وطغيانها وجميع موبقاتها، مع ما لذلك المشروع من مخاطر لا تقف عند حدود الفساد الإجتماعي أو السّياسي أو المالي.. بل يتعداه إلى الفساد المعرفي والثّقافي والدّيني، بمعنى أن السلطة آنذاك، كانت تعمل على إنتاج ثقافة السّلطان وصناعة دين السّلطة؛ وهذا من أخطر ما أقدمت عليه السّلطة وذلك فإنّ رسالة الحسين (ع)، هي أن سلطة توغل في ظلمها وفسادها وطغيانها، لا اعتراف بها ولا مهادنة معها؛ وفي هذا دعوة إلى سلوك سيرة الحسين (ع)، في عدم الإعتراف بأي سلطة تتماثل مع تلك التي كانت في عصره، أو تشبهها في الفساد والإفساد، أو الظّلم والطّغيان، وعدم مهادنتها أو مداهنتها، أو اعتماد منطق التسويات معها وأنصاف الحلول.

 وعطفاً على ما تقدم، يمكن القول إنّ من تلك القيم ذات المضمون الثّوري، أنّ الإمام الحسين (ع) قد واجه بكلّ قوته، ونزل بكلّ ما لديه للقضاء على ذلك الفساد والانحراف، وهو لم يدّخر قوّة أو عاملاً من عوامل النّصر، أو سبباً من أسباب الانتصار، إلا واستخدمه لمواجهة تلك السّلطة، ومنازلة ذلك السّلطان. وحتى عندما أدرك أّنّه لم يعد لديه إلا دمه ونفسه، يبذلها لتحقيق أهداف ثورته، فإنّه قد فعل، حتى يصل بنزاله إلى أهدافه، وبدمه إلى مقصده؛ وهو ما يعطي درساً في الثّورة والإصلاح ومواجهة الفساد.. ألا ندّخراً ذخراً أو قوةً أو سبباً، إلا ونستخدمه ونستعين به، لإنجاز وإنجاح أي عمل أو مشروع إصلاحي، يعمل على مواجهة فساد يمارس، أو إفساد ينتهج، أو إضاعة لحقوق العباد، أو طغيان في البلاد.

ومن تلك القيم التي تُستلهم من عاشوراء الحسين أنّ الحسين، لم يرتضِ الذّل، عندما خُير بين السّلة والذّلة، فاختار الموت عزيزاً على الحياة ذليلاً، وأبى الضّيم لنفسه وأهله وأصحابه بل وأمته، ورفض أن يستسلم لذلك السّلطان وأن يُقاد إليه مُستذلاً، واختار الشّهادة أبيّ الضّيم، عزيز الموقف والنّزال. وهو من أهم الدّروس التي تستفاد، بأن لا يقبل المرء أن يُذّل للسلطان وتهديده وإرهابه، أو  لترغيبه وإغرائه، بل أن يبقى عزيزاً أمام أي سلطة، سواء سلطة المال أو القوّة، أم سوى ذلك. كذلك فإن أي مجتمع أو أيّة أمّة، عندما تلتحف العزة، وتأبى الذّل، فإنّها نتال مكانتها، وتصنع كراماتها، وتحصل على جميع حقوقها، وما يجب على السّلطان لها، وتمنع لنفسها أن تكون مستعبدة في خدمة سلطان علا، أو أفسد في الأرض، أو استخف قومه وشعبه.

من تلك القيم والعبر أيضاً، عدم الخوف من السّلطان ووعده ووعيده، حيث أنّ الحسين (ع) لم يُرهبه الموت " الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشّهادة "، ولم يخف من ريّ كأسه، كما لم يُرهبه الحصار والتّجويع ومنع الماء عنه وعن عياله وأصحابه، أو يوهن من عزيمته، أي أنّ كلّ سياسات التهّديد والتّرهيب؛ لم تثنِ الحسين (ع)، ولم تُضعفه، أو تجعله يتراجع عن أهدافه وثورته. وهو من أهم الدّروس التي تتصل بمفاهيم الثّورة ومنظومتها، أنّ دفع الخوف، وامتلاك الشّجاعة، ومواجهة كلّ سياسات التّخويف والتّرهيب، من أهم العوامل النّفسيّة والتّربوية، التي يجب أن تُستحصل في أي فعل ثوري، كما يُستفاد من ثورة الحسين ومسيرته.

 يُضاف إلى ما تقدم من تلك القيم، أنّ الحسين (ع) لم يقبل الخنوع أو الرّضوخ أو التّعامي أو التّغافل عن ما يحصل، من ارتكاب للمنكر، وانتهاك للمعروف، لقد كان يرى نفسه معنياً بكلّ ما يجري، ومسؤولاً عن واقع المجتمع والأمّة، وأنّه لا يصح التّغافل عما ترتكبه السّلطة، أو التّعامي عمّا يفعله السّلطان؛ ولذلك يجب دفع الخنوع جانبا،ً وامتلاك حسّ المسؤوليّة، والشّعور بالمسؤولية تجاه ما يحصل في المجتمع، وعدم الجلوس مكتوف اليدين، أو التّعامل بلامبالاة تجاه مجريات الأحداث ووقائع الأمور؛ وهو من دروس الثّورة الحسينيّة، التي تسهم في تنمية أي شعور ثوري ورفده بالقيم، التي تؤدي إلى تصعيده، وإيصاله إلى ذروته وسنامه.

إنّ من تلك القيم والعبر، ومن أهم الدّروس المستفادة من واقعة كربلاء، أنّه كيف نمتلك الوعي بالثّورة، والإيمان بسمو أهدافها، وعلو قيمها، وأنّ هذه الأهداف وتلك القيم، تستحق منّا كلّ تضحية وكلّ بذل، وأنّها أغلى من النّفس والمال والولد، وأنّه عندما ندرك قيمة تلك الأهداف وأهميتها، فعندها لن نألو جهداً في التّضحية  بكلّ شيء في سبيلها، ومن أجل تحقيقها.

ومن هنا فإنّ ما يُستخلص من ثورة الحسين (ع)، الوعي بأهداف الثّورة والإيمان بها، والمعرفة الجادة بقيمتها وأهميتها، كأساس ومرتكز لمعاني التّضحية والإيثار، والبذل والعطاء، على طريق تلك الثّورة، وفي سبيل تحقيق أهدافها.

كما أنّ من تلك القيم والعبر.. نُصرة الحق ومصارعة الباطل، والإنتماء إلى الحق والإنزياح إلى جبهته، ومجانبة الباطل والتّبري من أهله، كما معرفة الباطل وأهله وجماعته؛ وهذا يتطلب معرفة الحق وأهله، كما معرفة الباطل وعصبته، كأساس للإنخراط في جبهة الحق وخندقه، في مواجهة الباطل وجبهته.

إنّ ثورة الحسين (ع) هي بمثابة الدّعوة لنصرة الحق والإنتصار له، ومواجهة الباطل والتبرؤ منه، بمعزل عن أي مِصر أو عصر، تجلّى فيه ذلك الحق، أو تمثل فيه ذلك الباطل.

يمكن القول أنّ ما ذكرنا هو مجمل تلك المفاهيم والقيم والعبر التي تؤدي إلى تكوين ذلك الحس الثّوري وتلك الثّقافة الثّورية، التي ينبغي أن يُستفاد من الخطاب العاشورائي في تكوينها وتنميتها بل وتوجيهها إلى مواجهة أي فساد ومقارعة أي ظلم أو انحراف أو طغيان، في أي عصر، لأنّ عاشوراء ليست فولكلوراً جامداً لا معنى له ولا هدف بل هي وجدت حتى تبقى ثورة الحسين مستمرة في مسيرتها، حيّة في روحها وفاقَ معانيها في شرايين الزّمن وعروق التّاريخ حتى تحقق الإصلاح في كلِّ زمانٍ وتواجه الظّلم في كلِّ مكان وهذا هو معنى ما قاله الإمام الصادق (ع) عن تلك الواقعة وذاك المثال أنّ " كلّ يومٍ عاشوراء وكلّ أرضٍ كربلاء ".

 

عدد قراءات المقال : 1002

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

704450 زائـــــر منذ 01-02-2015

موقع الشيخ الدكتور محمد شقير